الإسلام سبق الحضارات كافة في حماية حقوق الحيوان رفض عدد من علماء الإسلام استغلال سلوكيات فردية شاذة تجاه الحيوان في عالمنا العربي لتشويه صورتنا والإساءة إلى الإسلام الذي سبق كل الحضارات في حماية حقوق الحيوان. وأكد العلماء أن إهدار حقوق الحيوان والتعامل معه بعنف وقسوة يمثلان مخالفة صارخة لآداب وأخلاق ديننا الذي ألزم الإنسان بالتعامل برفق ورحمة مع الحيوان حتى ولو كان ضاراً بالإنسان، ونبَّه العلماء إلى ضرورة تربية الصغار على احترام حقوق الحيوان منذ نعومة أظفارهم.. وشددوا على أن ما نشاهده من سلوكيات خاطئة وتجاوزات في تعامل الإنسان مع الحيوان يرجع إلى أسلوب التربية الخاطئ منذ الصغر. وكانت سائحة سويسرية قد زارت مؤخراً منطقة الأهرامات في مصر وأفزعها قيام شاب يفتقد للحس الإنساني بضرب وتعذيب حماره لعدم استجابته لما يكلفه به واضطرت إلى شراء «الحمار» من صاحبه ودفعت له ما يريد (500 يورو) وتسلمت الحمار وأودعته في جمعية لعلاج الحيوانات ورعايتها استعداداً لنقله إلى سويسرا ووثقت القصة بالصور في صحف بلادها كنمط من أنماط إهدار حقوق الحيوان وتعذيبه الشائعة في العالم العربي، مما أثار حالة من الغضب والاستياء لدى كثير من العلماء والمعنيين بتصحيح الصور النمطية المغلوطة عن حضارتنا وتعاليم ديننا في الغرب. يؤكد د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر ومفتي مصر السابق، أن سلوك هذا الشخص القاسي الذي تعامل مع حماره بعنف وبلا إنسانية لا علاقة له من قريب أو بعيد بديننا الإسلامي الذي تشع تعاليمه رفقاً ورحمة بالحيوان، ولا علاقة له بحضارتنا العربية.. ويقول: في مقابل هذا المشهد المرفوض والمدان هناك آلاف المشاهد والمواقف تؤكد رقي الإنسان العربي في التعامل مع الحيوان بكل فصائله، فالتحضر ليس صناعة غربية، وهو في الأساس صناعة إسلامية والغربيون الذين يتشدقون بالتعامل الرحيم مع الحيوان واحترام حقوقه عليهم أولاً أن يتعاملوا بإنسانية مع الإنسان المسلم الذي يعيش في مجتمعاتهم. فلسفة الإسلام ويضيف: إن الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للحيوان تؤكد عظمة ديننا وتفوقه على كل ما جاءت به الحضارة الحديثة، وقررته منظمات وجمعيات حقوق الحيوان في العالم من مبادئ تكفل للحيوان حقوقه وترقى بأسلوب التعامل معه. ويوضح عضو هيئة كبار العلماء أن الحيوان في فلسفة الإسلام كائن حي خلقه الله الذي خلق الإنسان، وخلق كل شيء في هذا الكون، والإسلام له قيمه وتعاليمه الراسخة في تعامل الإنسان مع الحيوان والجماد، فلا تجوز إساءة استخدام أي شيء من مخلوقات الله، ومن يفعل ذلك يكون خارجاً على تعاليم الإسلام، ويستحق ما يتناسب مع جرمه من عقوبة حتى لا يكرر ذلك وحتى يرتدع غيره ولا يفعل مثلما فعل، فالقسوة بكل أشكالها لا علاقة لها بشريعتنا. ويوضح مفتي مصر السابق أن الرحمة بالحيوان أو الرقي السلوكي في التعامل معه له صور كثيرة حثت عليها شريعتنا الغراء، حيث نهى الإسلام وحذر من الإساءة للحيوان والقسوة عليه وتعذيبه بأي شكل من الأشكال، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي دخلت النار في هرة بسبب حبسها واضح ومشهور.. فقد جاء في الحديث أن امرأة عذبت بسبب هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، فلا هي أطعمتها وسقتها عندما حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وإذا كان هذا هو موقف الإسلام، فما بالنا بمن يضرب حيواناً ويعذبه ويقسو عليه ويحمّله فوق طاقته؟ وقبل أن يتركنا مفتي مصر السابق يطالب بنشر الوعي السلوكي بين البسطاء فيما يتعلق بحقوق الحيوانات وسن تشريعات تجرم كل عدوان على الحيوان والإساءة إليه بأي شكل من أشكال الإساءة. نعمة من الله د. مجدي عاشور أستاذ الشريعة الإسلامية والمستشار الأكاديمي لمفتي مصر يتفق مع د. جمعة في ضرورة نشر الوعي الشرعي بحقوق الحيوان بين الناس جميعاً، وخاصة هؤلاء البسطاء الذين يتعاملون مع الحيوان وتعودوا على القسوة عليه.. ويؤكد أن الدعاة وخطباء المساجد عليهم دور كبير في ذلك، حيث ينبغي أن ينقلوا للناس ما جاء به الإسلام من معاني وصور الرحمة بالحيوان، وأن يذكروهم بالنصوص القرآنية التي تؤكد أن الحيوانات نعمة من النعم التي أنعم بها الخالق سبحانه على الإنسان، وواجب الإنسان العاقل الحريص على إرضاء ربه أن يحسن التعامل مع هذه النعمة، وهذا الدور نفسه مطلوب من وسائل الإعلام والثقافة. ويضيف: في شوارعنا وحقولنا وبيوتنا تنتشر صور التعامل القاسي مع الحيوان وللأسف بعض الآباء والأمهات يأتون بطيور وحيوانات أليفة ضعيفة لأبنائهم لكي يلعبوا بها، وبعض المزارعين يقسون على الحيوانات التي تعينهم على أعمالهم الزراعية ويحمّلونها فوق طاقتها من دون أن يجدوا من يردعهم ويصرفهم عن ذلك، والعديد من أصحاب المهن البسيطة الذين يستعينون بالحيوانات تربوا على الغلظة والقسوة في التعامل مع الحيوان من دون أن يجدوا من يردعهم عن ذلك، وهنا ينبغي أن يكون للمجتمع كله دور في مواجهة هذه التجاوزات. «أفلا يشكرون؟» ويوضح د. عاشور أن القرآن الكريم أوضح لنا أوجه الاستفادة والانتفاع من الحيوان، باعتباره من المخلوقات التي سخرها الله لخدمة الإنسان، ومن بين النصوص القرآنية التي أوضحت ذلك قوله تعالى: «الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون. ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون»، (سورة غافر: 79-81). وقوله سبحانه: «أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون»، (سورة يس: 71 -73). إن الرحمة عنوان عريض في منظومتنا الإسلامية، وقد أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته القولية والفعلية كل صور الرحمة بالحيوان والرفق به، وكان دائماً يحذر من القسوة عليه، أو إضاعته وإهماله، وينذر بوعيد شديد لمن يتعامل بقسوة وعنف مع الحيوان، وكان يعد المؤمن الرحيم بالحيوان بجزيل الأجر والثواب من الله على إحسانه وعطفه على الحيوانات.. فقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً قال: يا رسول الله إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن رحمتها رحمك الله».. وروي أن رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟!». رقي وتحضر ويوضح د. عاشور أن مظاهر الرحمة والإحسان للحيوان في شريعة الإسلام هي «دليل رقي وتحضر»، وتتمثل في مواقف كثيرة ومشاهد متنوعة منها: - التعامل برفق ورحمة مع الحيوان وعدم القسوة عليه أو تعذيبه، وقد وردت في ذلك العديد من النصوص النبوية الكريمة، التي تحث على الرحمة وتحذر من القسوة، ويكفي هنا ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي للهرة الإناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها.. أي بما تبقى منها. - استخدام الحيوان فيما خلق له وعدم تحميله أكثر من طاقته، فكل حيوان يجب أن يستخدم فيما خلق له، فما خلق للحرث أو للدر والنسل لا ينبغي أن يستخدم للركوب.. وقد جاءت العديد من النصوص النبوية التي ترشد المسلم إلى ضرورة استخدام الحيوان في الغرض الذي خلق له. - الرفق بالحيوان عند ذبحه وعدم تعذيبه، وقد تعددت التوجيهات النبوية الكريمة التي تحض المسلم على ذلك.. ولذا يجب أن نستنكر بشدة كل التجاوزات التي تصدر من الحمقى ضد الحيوانات عند ذبحها والتي تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في موسم ذبح الأضاحي؛ لأنها تسيء إلينا وتعطي الفرصة لجمعيات حقوق الحيوان في الغرب لإدانتنا وتضخيم هذه التجاوزات. مواجهة التجاوزات المفكر الإسلامي د. محمود حمدي زقزوق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق يؤكد من جانبه ضرورة مواجهة التجاوزات السلوكية تجاه الحيوان في بلادنا العربية بكل حزم، ويؤكد ضرورة سن تشريعات تحمل عقوبات رادعة لكل من يتعامل مع الحيوان بقسوة، فهذه التشريعات موجودة في كل المجتمعات المتحضرة، وغيابها عن مجتمعاتنا العربية إساءة لنا كما أن هذا الغياب يشجع على القسوة على الحيوان. ويقول: تعاليم القرآن وتوجيهات رسولنا العظيم تجسد أروع صورة لحقوق الحيوان وتفرض على كل مسلم أن يتعامل معه بكل إنسانية، وينبغي أن تكون تلك الأوامر الإسلامية سلوكاً عاماً وثقافة شائعة بين المسلمين، وهذه مسؤولية كل أدوات التوجيه ونشر الوعي في المجتمع، سواء أكانت مؤسسات دينية وثقافية أو مؤسسات تربوية وتعليمية. ويضيف د. زقزوق: ثقافة الرحمة بالحيوان والاعتراف بحقوقه ينبغي أن تتحول من توجيهات دينية وقيم حضارية إلى واقع عملي في حياة الكبار والصغار.. وهنا ينبغي أن يتحمل الكبار مسؤولية تربية أولادهم على هذا الخلق الإسلامي القويم. ويوضح عضو هيئة كبار العلماء، أن حقوق الحيوان في الإسلام ليست مجرد نصائح وتوجيهات تختلف من مجتمع لآخر حسب مستوى رقيه وتحضره.. لكنها في منظومتنا الإسلامية أحكام شرعية وحقوق ثابتة، حيث تحدث الفقهاء في واجبات مالك الدابة من النفقة والرعاية في كتاب «النفقات»، كما فصلوا ما يجب على الإنسان نحو الكلاب والطير ونحوها تفصيلاً لم يخطر ببال أحد من البشر في تلك العصور. وينتهي د. زقزوق إلى ضرورة وجود قوانين تعاقب المتجاوزين وتردع المسيئين وترفع الظلم عن الحيوان وهذا يعني أن من حق الجمعيات أو المؤسسات المعنية بالتعامل الرحيم أن تتدخل لإزالة الظلم عن الحيوانات، وأن تسن من القوانين العقابية ما يحقق هذا الهدف، كما أن من حق كل مسلم أن يتدخل لمنع ظلم عن حيوان، فمن واجب أي مسلم شاهد هذا الظلم أن ينهى عنه، ومن حقه أن يرفعه إلى أولي الأمر ليعملوا على منعه
top of page
bottom of page
Comments