"حقوق الحيوان" مصطلح إسلامي وليس غربياً والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون . ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون . تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم . والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون (النحل: 5 - 8) . ذاك حديث القرآن عن الحيوان، حديث يظهر قيمة هذا المخلوق ودوره في سريان سفينة الحياة البشرية، أما السنة فقد أكدت دوره في ابتغاء الأجر والثواب، إلى أن جعلت إكرامه والعطف عليه سببا لدخول الجنة، وجعلت إهانته وتعذيبه سببا لدخول النار، وقصة الرجل مع الكلب، والمرأة مع القطة شاهدتان على ذلك . في صمت وبلا ضجيج إذن نادى الإسلام بحقوق الحيوان منذ قرون عديدة، بل خلد القرآن الكريم أنواعاً من الحيوانات وسمى سوراً كاملة بأسمائها، لتتعلم البشرية منها دروساً وتأخذ العبر والعظات، فكان هدهد سليمان رمزا للإيجابية، وظلت النحلة مضرباً للأمثال في نشاطها وحيويتها على مر العصور، والنملة معلمة لنا في النظام والسعي والأخذ بالأسباب . وبالرغم من رحمة الإسلام بالحيوان فإنه بين الحين والآخر توجه انتقادات حادة لمنهج الإسلام في التعامل مع الحيوان، عن جهل أحيانا وعن سوء نية في كثير من الأحيان . وكانت آخر تلك الحملات ما ثار في إنجلترا مؤخرا، حينما أصدر مجلس رعاية الحيوان تقريراً يدعو فيه الحكومة البريطانية إلى منع ذبح الحيوانات بالطريقة الإسلامية، مدعين أنها تعد شكلا من أشكال القسوة مع الحيوان . الأمر الذي دعا الحكومة البريطانية إلى وضع قانون يؤكد ضرورة فقدان الحيوان الوعي قبل الذبح، بالرغم من مخاطر هذه الطريقة على الحيوان والإنسان . سبق إسلامي وفي التراث الإسلامي بمصادره المتعددة تظهر مدى عناية الإسلام بهذا المخلوق الضعيف، ومدى سبقه لكل المنظمات والهيئات التي تطنطن بحقوقه، وهذا ما يظهره البحث المنهجي في مثل تلك المصادر . ففي الرسالة التي أعدها الباحث اليمني توفيق علي العمري تحت عنوان حقوق الحيوان في الإسلام دراسة فقهية مقارنة توصل فيها إلى العديد من النتائج والتي أهمها: 1 أن مصطلح حقوق الحيوان مصطلح إسلامي تداوله العلماء منذ فجر الرسالة، وليس مصطلحاً غربياً كما يدعي الغرب وأنصاره، حيث كان للحضارة الإسلامية فضل السبق في إقرار حقوق الإنسان وإلزام الناس بهذا المبدأ، من دون إفراط أو تفريط . 2 وتوصل الباحث أيضاً إلى أن توجيهات الإسلام لم تقتصر على حفظ حقوق الحيوان المادية فقط، بل شملت الحفاظ على مشاعره، مدللاً على ذلك بتحريم لعن الدواب، وتحريم ذبح الحيوان أمام الآخر، وجعل إيذاء الحيوان موجباً لدخول النار . 3 وأشار العمري ضمن ما توصل إليه كذلك، إلى أن نفقة الحيوان ورعايته في الإسلام واجبة على المالك، ولولي الأمر التدخل إذا حصل أي تقصير فيها . 4 توصل العمري أيضاً بالقياس إلى حرمة رياضة مصارعة الثيران؛ معللا ذلك بأنها تجلب الأذى والمشقة للحيوان، والأمر نفسه فيما يخص مصارعة الديوك . وأوضح أنه يجوز للإنسان أن يستفيد من الحيوان في المجالات المشروعة كافة، على أن تؤدى جميع حقوقه، وعلى الجانب الآخر فإنه يجوز قتل بعض الحيوانات المؤذية، فإذا انتفى الإيذاء فلا يجوز القتل كتلك التي تعيش في الغابات، أو بعيداً عن السكن والإقامة . . على حد كلام العمري . وطالب بضرورة الاهتمام بكلاب الشوارع ونقلها من المدن إلى الأماكن المناسبة لعيشها، مشيرا إلى أن قتل الحيوانات البرية يهددها بالانقراض، مما قد يؤدي بحسبه إلى اختلال توازن البيئة . 5 توصل العمري أيضاً إلى ضرورة وضع ضوابط على مجال الاستنساخ الحيواني، حتى لا تتحول المصلحة إلى مفسدة بحق الإنسان والحيوان . اهتمام قرآني من جانبها ترى الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر أن القرآن حرص على تكريم الحيوان، وبيان مكانته وتحديد موقعه لخدمة الإنسان، مؤكدة أن الآيات مبثوثة في ثنايا القرآن الكريم . وتتابع: هذا الاهتمام القرآني بالحيوان جعل الشريعة الإسلامية تكفل له حقوقاً كثيرة، إلى الحد الذي جعلت فيه الإحسان إليه من الطاعات التي توجب الأجر والثواب، فقال صلى الله عليه وسلم بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر (متفق عليه) . وفي رواية للبخاري: فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كانت له به صدقة . وتوضح الدكتورة نصير أن تعذيب الحيوان وحبسه من أسباب دخول النار مستشهدة بقوله صلى الله عليه وسلم دخلت امرأة النار في هرة سجنتها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض . الرفق بالحيوان وفي جانب آخر من جوانب الرحمة بالحيوان تقول الدكتورة نصير: إن الإسلام أمر بالرفق بالحيوان في العمل، وأمرنا بعدم تكليفه ما لا يطيق من أعمال، ودللت على ذلك بالقصة التي حكاها الصحابي الجليل عبدالله بن جعفر رضي الله عنه الذي قال: أردفني رسول الله عليه وسلم خلفه ذات يوم . . . إلى أن قال: فدخل حائطاً (أي بستاناً) لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي فمسح ذفراه فسكت، فقال من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: لي يا رسول الله . فقال أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه . وتعلق الدكتورة نصير قائلة: كانت هذه الإشارة النبوية توجيهاً لعدم إثقاله بالعمل، معتبرة أن علاج الحيوان المريض من السلوكات التي غابت عن الكثيرين، ولكنه بحسبها من سلوكات الإسلام، واستجابة لأمره صلى الله عليه وسلم لا يوردن ممرض على مصح كنوع من الحجر الصحي والتمكن من السيطرة على المرض، مشيرة إلى أن ذلك من علامات رحمة الإنسان ورقة قلبه . وتوضح أن حرية الطائر من الحقوق التي كفلها الإسلام له؛ لأنه خلق ليحلق في السماء الواسعة، مشيرة إلى أن حبسه من أبشع أنواع الانتهاكات التي توجه إليه، مبينة أنه لا يجوز استخدامه في تعلم الرماية، حيث يروى في الأثر أن ابن عمر رضي الله عنه مرّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا . إن رسول الله لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً . نهي عن الحرق وتشير إلى النهي النبوي عن حرق الحيوانات والحشرات حتى لو كانت ضارة، وإلى أن قتل الضار منها يجب أن يتم بوسيلة غير الحرق، مستشهدة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأخرج متاعه من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة فالحرق من الأشياء المنهي عنها مع الحيوان، حتى لو كان للتعليم . وعن الاتهامات الموجهة إلى الإسلام بممارسة العنف مع الحيوان عند ذبحه، أكدت الدكتورة نصير أنها اتهامات باطلة، فالعلم الحديث أثبت أن الذبح على الطريقة الإسلامية من أفضل أنواع الذبح، وطرق قتل الحيوان الأوروبية التي تستخدم المطرقة والصاعق الكهربائي هي قمة الانتهاك . . حسب تعبيرها . وتتساءل الدكتورة نصير في النهاية إذا كان أهل أوروبا أنفسهم يذبحون أعداداً كبيرة من الديك الرومي في أعياد الكريسماس فلماذا ينكرون علينا طقوس عيد الأضحى المبارك؟ . آداب الذبح من جانبه يؤكد الدكتور حسن عبيدو الأستاذ بقسم الثقافة والدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر على أن الهدي النبوي في الذبح أمرنا بإراحة الحيوان المذبوح بعدة وسائل منها: أن تكون الآلة حادة، وأن يحمل عليها بقوة، لقوله صلى الله عليه وسلم وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته والحرص على ألا يراها الحيوان المذبوح، بالإضافة إلى مواراة الذبيحة عن البهائم وقت الذبح . ويوضح أن النبي صلى عليه وسلم حافظ على مشاعر الحيوان حينما مر على رجل يضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، حيث قال له أفلا قبل هذا أو تريد أن تميتها موتتين؟ ويشير الدكتور عبيدو إلى ضرورة أن تستقبل الذبيحة القبلة، وأن يؤخر كسر عنقها وسلخها حتى تبرد امتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم لا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق . ويضيف أن الإسلام كان رحيماً بالإنسانية عندما أباح قتل بعض الحيوانات المؤذية والحشرات الضارة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم خمس فواسق يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور من أجل حفظ حياة الآخرين؛ لأن الإيذاء منها متيقن . وفي الوقت الذي توجد فيه حيوانات ضارة هناك حيوانات مفيدة ومبشرة وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: لا تسبوا الديك؛ فإنه يوقظ للصلاة . ويتابع: وهناك توجيه نبوي بالدعاء عند سماع الديك اللهم إني أسألك من فضلك وهناك إشارة نبوية أخرى إلى الخيل لما تقدمه من خدمات جليلة للإنسان ورمزيتها الدائمة للخير فقال صلى الله عليه وسلم الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة . وفيما يتعلق بقوله تعالى ( . . . فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) (الأعراف: 176)، يؤكد الدكتور عبيدو أن الحيوانات ليست على مستوى واحد من المكانة أو الذكاء، فالكلب مثلاً مرتبط دائما بالتوبيخ، والحمار كذلك حيوان يقترن وصفه بالغباء، واستخدم الله تعالى تشبيه اليهود به في قوله تعالى مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) (الجمعة: 5) لأنهم ضلوا الطريق رغم امتلاكهم لأدوات الهداية . فالتحقير هنا بحسب الدكتور عبيدو لم يكن لنوع الكلب أو الحمار، وإنما للبشر الذين تقمصوا أدواراً أقل من المكانة التي كرمهم الله تعالى بها، وفضلوا الحياة الحيوانية
top of page
bottom of page
Comments