تكملة للمنشور السابق الذي عنوانه (أمراض الحيوانات)
وهنالك أيضاً التسمم الناتج من تناول النباتات السامة. وبعض هذه الأمراض يظهر نتيجة قصور في تركيب الأنظيمات النشطة المسؤولة عن تنظيم التفاعلات الكيمياوية في جسم الحيوان. أما زواج الأقارب inbreeding الذي يستمر عدة أجيال متعاقبة عند الحيوانات الأليفة فإنه يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأمراض الاستقلابية metabolic diseases في الأجيال القادمة وضعف مقاومتها لبعض الأمراض المعدية. 3ـ الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان: تنتشر هذه الأمراض التي تصيب الإنسان في كثير من الدول النامية وتعد إضافة إلى الجوع وأمراض سوء التغذية من أهم المشاكل التي تهدد صحة الإنسان وحياته. ويمكن تصنيف الأمراض المشتركة في أربعة أنواع وفقاً لطريقة انتشارها ووبائيتها. فالأمراض المشتركة المباشرة direct zoonoses، مثل داء الكَلَب rabies وداء البروسيلات عند الأبقار، تنتشر في الطبيعة ضمن نوع واحد من الحيوانات الفقارية. والأمراض المشتركة الدوْرَيَّة cyclozoonoses ومثال عليها الإصابة بالديدان الشريطية، وحياة الديدان تحتاج إلى مضيفين من الحيوانات الفقارية أحدهما الإنسان. وهناك أمراض مشتركة تحتاج إلى مضيفين وسيطين أحدهما فقاري والآخر لافقاري قبل أن تصيب الإنسان، ومثال عليها داء المثقبيات trypanosomosis. وأخيراً هناك الأمراض المشتركة الرمية saprozoonoses وهي أمراض تحتاج إضافة إلى مضيف فقاري أو أكثر، إلى أماكن بيئية خاصة كما هي الحال في داء النَوْسَجات histoplasmosis وهو مرض فطري. ويعد معظم الحيوانات مخازن للأمراض المشتركة ولاسيما الحيوانات ذات الصلة الدائمة بالإنسان، الأليفة والبرية. وكثير من الأمراض المشتركة ينتقل عن طريق العض أو بالسموم أو من تناول المنتجات الحيوانية المختلفة. فعضة الكلب تؤدي إلى جروح خطيرة أو عدوى جرثومية أو الإصابة بداء الكَلَب (السعار) ذلك المرض الخطير القاتل. وعضة جرذ مريض أو حامل للمرض قد تنقل الكثير من الأمراض إلى الإنسان ومنها الطاعون وداء البريميات leptospirosis. أما لدغات الثعابين السامة فإنها تسبب اضطرابات مختلفة قد تؤدي إلى موت المصاب. وإن عدداً كبيراً من أنواع الحيات المعروفة تعد مؤذية للإنسان وتسبب له المرض أو الموت. وفي بعض المناطق من العالم يتناول السكان لحوم بعض الحيوانات السامة أو الحاملة للجراثيم مثل التي تسبب مرض الجمرة الخبيثة أو التيفوئيد. وبعض أنواع السمك تسمم الإنسان إذا تناولها فتسبب له بعض الاضطرابات أو الموت في بعض الأحيان. ويعتمد القضاء على الأمراض المشتركة والحد من انتشارها على نوع هذه الأمراض. وقد أمكن القضاء على الكثير منها بالسيطرة عليها عند وجودها في المضيف الحيواني. ومثال على ذلك الحملات المستمرة، في معظم بلدان العالم، للقضاء على الكلاب الشاردة، لأنها تعد من العوامل المهمة في نقل الأمراض المشتركة ونشرها، كداء السعار، والإصابة بالأكياس أو الكيسات العُدَارية أو المائية hydatid cysts. ويمكن مكافحة داء البروسيلات وداء السل في الأبقار بتطبيق عدة إجراءات في وقت واحد؛ كالتشخيص والتمنيع الجماعي، وذبح الحيوانات المصابة، وتعقيم الأماكن التي كانت موجودة فيها، وتطبيق الحجر الصحي. ويجب في بعض الأحيان اتخاذ بعض الإجراءات الخاصة. فيجب أن يكون الهواء نقياً متجدداً في حظائر التربية والمسالخ، وذلك لمنع انتشار الأمراض المشتركة التي تنتقل إلى الإنسان عبر الهواء والغبار. كما يمكن السيطرة على الأمراض المشتركة التي تنتقل إلى الإنسان عن طريق الماء والحليب وذلك بالتعقيم. وإن استخدام البرودة أو الحرارة أو التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية كاف للقضاء على الأطوار غير البالغة للديدان المسببة لداء الشَعْرِيْنات trichinellosis الذي ينتقل إلى الإنسان نتيجة تناوله لحوم الحيوانات المصابة. كما أن استخدام المضادات الحيوية antibiotics يساعد على منع فساد بعض الأطعمة. وفي بعض الحالات يمكن السيطرة على المرض بالقضاء على العامل المسبب له في مرحلة من دورة حياته في المضيف الفقاري أو اللافقاري أو في كليهما. فاستخدام المبيدات الحشرية فعال في القضاء على المضيف اللافقاري الحامل للممرضات مع وجود بعض الصعاب مثل عدم وصول المواد الكيمياوية القاتلة إلى المضيف الموجود في أماكن يصعب الوصول إليها، أو نتيجة تشكل مناعة لديه إزاء بعض المبيدات المستعملة. وتستخدم المبيدات الحشرية للقضاء على الحشرات التي تنقل داء الملاريا malaria. واستعمال مرشحات المياه يساعد في منع انتشار القواقع الحاملة للطفيليات مثل حاملة منشقة الجسم المانسونية Schistosoma mansoni (البلهارزيا). أما جنون البقر mad caw diseas فقد أفرد له بحث خاص تحت عنوان: البقر (جنون ـ). الوقاية من الأمراض ومكافحتها واستئصالها تعد الوقاية خط الدفاع الأول لمكافحة الأمراض واستئصالها، سواء أكان هذا المرض معدياً أم غير معد. وهناك على الأقل أربع طرائق لحماية التجمعات الحيوانية من وصول الأمراض إليها. ـ عدم نقل العوامل المسببة للأمراض من مناطق جغرافية معينة أو تطبيق الحجر الصحي الصارم. ـ السيطرة على الأمراض عن طريق التمنيع immunization واستعمال المركبات الكيمياوية لحماية بعض أنواع الحيوانات من الإصابة بالأمراض المستوطنة في البيئة. ـ نشر الوعي الصحي بين المربين والمهتمين بشؤون الثروات الحيوانية فيما يتعلق بوقاية الحيوانات من الأمراض. ـ التشخيص المبكر للأمراض لمنع استفحالها وانتشارها في التجمعات الحيوانية إذ تصعب آنذاك معالجتها والقضاء عليها. والحجر الصحي، أي تحديد حركة الحيوانات المصابة أو التي تعرضت لمرض معدٍ ما كمرض اللسان الأزرق blue tongue الذي يصيب الأغنام، وكالحمى القلاعية، يعد من أقدم الوسائل التي استخدمها الإنسان لوقاية الحيوانات من الأمراض المعدية، ويعود تاريخ ذلك إلى العهود الرومانية. وبتطبيق الحجر الصحي مدة 90 يوماً على الأغنام والخنازير، تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من القضاء نهائياً على الكثير من الأمراض المعدية مثل مرض الجُفار surra الذي يصيب الخيول والذي يسببه المِثْقَبيُّ (تريبانوزوما إيفانسي) Trypanosoma evansi، والأمراض التي تسببها البروسيلة المالطية. والحجر الصحي الذي فرضته بريطانية على الكلاب التي تدخل أراضيها أثبت جدواه منذ عام 1919 حتى اليوم. ومع ذلك كله فقد جاءت الطائرات لتبطل إلى حد ما فعالية الحجر الصحي، إذ إن الكثير من العوامل الناقلة أو المسببة للمرض، كالحشرات والجراثيم، تنتقل عَرَضياً بالطائرة من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى. أما التمنيع الجماعي واستخدامه وسيلةً للوقاية من الأمراض، فإنه يسمح للحيوانات بالحركة وعبور الحدود الجغرافية للبيئات المختلفة. ولكن إذا كانت البيئة التي ستعيش فيها هذه الحيوانات ملوثة، فإن مناعتها في معظم الأحيان ستكون جزئية وقصيرة الأمد. واللقاحات التي استخدمت للتمنيع إزاء بعض الأمراض، كمرض شبه الطاعون Newcastle disease في الدجاج ومرض حداثة السن في الكلاب، أعطت نتائج إيجابية جيدة. ويمكن وقاية الحيوانات من بعض الأمراض أيضاً عن طريق التحكم في البيئة التي تعيش فيها، وذلك بتوفير مياه الشرب النظيفة الخالية من التلوث، والتخلص من البراز والروث والزرق والحيوانات النافقة بالطرائق الصحية المناسبة، وتوفير الهواء النقي في حظائر التربية، والقضاء على القوارض والحشرات بأنواعها المختلفة. وإن استخدام المركبات الكيمياوية للوقاية من الأمراض (الوقاية الكيمياوية chemoprophylaxis) كاستعمال المبيدات في القضاء على الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض، إضافة إلى بعض المركبات التي تُقدم للحيوان لتحميه من الإصابة بالأمراض، يعطي نتائج جيدة. فإعطاء الدواجن مركبات السلفاميد sulfamide، مضافة إلى العلف أو ماء الشرب، يمنع إصابتها بداء الخُزيزيات coccidiosis. وإن كشف المرض مبكراً مهم جداً للتحكم في بعض الأمراض المعدية المزمنة، مثل التهاب الضرع mastitis أو داء البروسيلات أو داء السل، أو في بعض الأمراض غير المعدية، مثل النفاخ الكرشي. ويساعد في ذلك إجراء الفحوص المخبرية السريعة مثل اختبار التراص للكشف عن مرض نظيرة التيفية paratyphoid واختبار السُّلِّين (التوبركولين) الجلدي للكشف عن داء السل، والتحري عن بيوض الديدان في البراز والروث، إضافة إلى بعض الاختبارات الفيزيائية والكيمياوية التي تجرى على الحليب للكشف عن التهاب الضرع. وقد أثبتت الطرائق المستعملة للوقاية من الأمراض واستئصالها جدواها في كثير من بلدان العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية طبقت «طريقة الاختبار والذبح» test and slaughter technique التي تتلخص بإجراء بعض الفحوصات والاختبارات البسيطة للتحقق من وجود المرض ومن ثم ذبح الحيوانات المصابة كلها. وبفضل هذه الطريقة تم القضاء على الكثير من الأمراض المعدية مثل الحَلَق (بجل الخيل) dourine والحمى القلاعية. وقد تم القضاء نهائياً على داء السل البقري في الدنمارك وهولندة وفنلندة، كما أن نسبة الإصابة بهذا الداء انخفضت كثيراً في الكثير من الدول الأخرى كبريطانية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا نتيجة اللجوء إلى هذه الطريقة. وفي بريطانية تم استئصال الكثير من الأمراض المعدية مثل جدري الغنم sheep pox والطاعون البقري والرُّعام وداء الكلب. وقد استطاعت أسترالية القضاء على الكثير من الأمراض المعدية مثل كوليرا الخنازير والطاعون البقري والرعام والجفار والسعار والحمى القلاعية باستخدام عدة طرائق في آن واحد وهي: القضاء على العوامل الناقلة للأمراض كالقوارض والحشرات، وطريقة الاختبار والذبح، واستخدام المركبات الكيمياوية والتحكم الحيوي biological control الذي يتم باستخدام العدو الطبيعي للعامل والناقل للمرض أو الطفيلي، فيطلق هذا العدو في البيئة التي يعيش فيها الحيوان ليفتك بالعوامل الناقلة أو المسببة للمرض ويقضي عليها. فإذا وجد العدو الطبيعي لذبابة تسي تسي tsetse، على سبيل المثال، فإنه يمكن السيطرة على مرض النوم الإفريقي African sleeping sickness عند الإنسان وعلى داء المِثقبيات عند الأبقار، في إفريقية الغربية. وفي أسترالية تم القضاء على تجمعات كبيرة من الأرانب، التي تهدد المحاصيل الزراعية وذلك بنشر الحمات المسببة للورم المخاطي myxomatosis (نوع من السرطانات الخبيثة يصيب الأرانب) التي تنتقل بالحشرات. وفي فرنسة استخدمت الطريقة نفسها للقضاء على الأرانب، وقد صاحب ذلك انخفاض في عدد الإصابات بالتيفوس typhus الذي ينتقل إلى الإنسان عن طريق القُراد. وقد فسرت هذه الظاهرة بأن الأرانب الأوربية هي المضيف الوسيط للعامل المسبب للمرض، وهو أحد أنواع الرِيْكتْسِّيَّة.
Comments